Menu

مرحبا بكم في موقع إذاعة فـــراتــلــوس نت على شبكة الإنترنت الإذاعة الحرة الواعية إسلامية تونسية مستقلة نتظر تفاعلاتكم و نبدأ قريبا بنشر آخر مقالات الأستاذ جابر القفصي إضافة إلى آخر تحديثات الأخبار التونسية، العربية و العالمية فـــراتــلوس نــــت مباشرة نحو الإعلام البديل

ليس الإسلام والديمقراطية على طرفين متناقضين في تونس

رضوان مصمودي
كانت انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 في تونس مهمة وتاريخية مثل الثورة نفسها. رأيت بأم عيني جماعات من الناس تبكي فرحاً وفخراً وهي تصوّت بشأن قرار من سيمثلها في المجلس الوطني التأسيسي، وهم يشعرون بكرامة المشاركة في انتخابات للمرة الأولى في حياتهم كمواطنين أحرار بحق. كانت هناك أمة حرة تولد من جديد.
واليوم، يعمل التونسيون على التفاوض على علاقة بين الدين والسياسة، وهي قضية أصبحت أكثر إلحاحاً بعد أن استخدم المتطرفون على الجانبين، علمانيون وإسلاميون، حرياتهم الديمقراطية التي حصلوا عليها أخيرا، للدفع باتجاه وجهات نظر أكثر تطرفاً. إلا أن الحلول الوسطى ووضع أولويات لاهتمامات الأمة هي مكونات أساسية لتحول ناجح إلى الديمقراطية، ويجب أن يأخذ هذا الأولوية على الشجار الحزبي.
ومما لا يثير الاستغراب أن حزب النهضة، وهو حزب إسلامي يركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، فاز بتعددية 41 في المئة من الأصوات، و89 مقعداً في المجلس الوطني التأسيسي. وحصلت أربعة أحزاب علمانية لا تنادي بدور للدين في الحكومة على نتائج جيدة، وهي، المؤتمر من أجل الجمهورية والعريضة الشعبية والتكتل والحزب الديمقراطي التقدمي.
وحصلت ثلاثة أحزاب علمانية، هي القطب الديمقراطي الحداثي وأفق تونس وحزب العمال الشيوعي، على نتائج ضعيفة، لأنها ظهرت بشكل رئيسي على أنها معادية للإسلاميين والدين. فمن خلال دفاعها عن فيلم عنوانه «لا إله ولا سيد» الذي يعتقد الكثيرون بأنه يشجع على الإلحاد، وآخر يُظهر الله بصورة كاريكاتورية واسمه «بيرسوبوليس»، على أساس الدفاع عن حرية التعبير، ظهرت هذه الأحزاب وقادتها شاذة عن المشاعر الدينية لغالبية التونسيين. وقد تبنى حتى الحزب الديمقراطي التقدمي هذا الموقف، وشاهد شعبيته تنخفض من نحو 20 في المئة في فبراير/ شباط إلى مجرد 6 في المئة في أكتوبر/ تشرين الأول.
ظهر حزب النهضة في النهاية على أنه الحزب السياسي الرئيسي في تونس. بعد ثلاثين سنة من إفشاله بشكل ممنهج، تم الاعتراف به أخيراً كحزب سياسي في فبراير 2011. والأهم من ذلك أنه نجح في تصوير نفسه على أنه متجذر في القيم الإسلامية ولكنه ملتزم في الوقت نفسه وبعمق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة للجميع.
لا يرى التونسيون تناقضاً بين الإسلام والديمقراطية، أو الإسلام والحداثة، وهم لا يريدون الاختيار بين الاثنين. يريدون أن يكونوا مسلمين وعصريين في الوقت نفسه، وقد وفر لهم حزب النهضة منبراً يعدهم بذلك بالضبط. في مقابلة مع «رويترز» نشرت يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، قال رئيس حزب النهضة ومؤسسه راشد الغنوشي: «نحن ضد محاولة فرض أسلوب حياة معين. اتفقت جميع الأحزاب على الحفاظ على المادة الأولى من الدستور الحالي، التي تنص على أن لغة تونس هي العربية ودينها الإسلام. هذا مجرد وصف للواقع، وليس له أي معانٍ ضمنية قانونية. لن تكون هناك إشارات أخرى للدين في الدستور. نريد توفير الحرية للدولة كلها».
هذا بالضبط هو ما تريد غالبية التونسيين سماعه. لم يقوموا بإسقاط دكتاتورية علمانية لاستبدالها بدكتاتورية دينية أو ثيوقراطية. لا يريدون الدولة أن تتدخل في الممارسات الدينية أو تعززها. يجب أن يكون الدين قضية وخياراً شخصياً، ويتوجب على الدولة احترام وحماية الحريات الفردية وحرية جميع المواطنين. فهل يستطيع حزب النهضة إذاً النجاح في قيادة تونس نحو ديمقراطية حقيقية وصادقة وعادلة ومستدامة؟ إذا استطاع الحزب محاكاة النموذج التركي في تونس كما وعد أن يفعل، أعتقد بأنه سيكون ناجحاً وستزداد شعبيته.
وعلى رغم أن الدستور لن ينص على أن تونس دولة علمانية، حيث ان موضوع العلمانية خلافي بشكل عميق في تونس وفي أنحاء العالم العربي، إلا أنه من الواضح كذلك أن التونسيين يريدون دولة مدنية وديمقراطية.
ستستمر قضية العلاقة بين الدين والسياسة بأن تكون موضوع جدل لسنوات كثيرة، بل ولقرون كثيرة، وهي مازالت موضوع جدل اليوم في أوروبا والولايات المتحدة. إلا أن التحدي الرئيسي لجميع التونسيين اليوم هو البقاء مركزين على ما يوحدّهم بدلاً مما يفرقهم.
ما يجب على الدستور التونسي الجديد أن يفعله هو أن يقدّس مبادئ حقوق الإنسان والحريات الدينية والعدالة والمساواة أمام القانون، إضافة إلى حقوق المرأة والأقليات. وتماماً مثلما تمكنت تركيا من دمج القيم الإسلامية والديمقراطية وبناء دولة حديثة ناجحة في العالم المسلم، تستطيع تونس كذلك قيادة العالم العربي نحو مصالحة القيم والمبادئ الإسلامية مع الحداثة والحرية والديمقراطية


صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3386 - الخميس 15 ديسمبر 2011م الموافق 20 محرم 1433هـ
هذا المقال ينشر بالتعاون مع خدمة الأرضية المشتركة (كومن غراوند) Common Ground

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق